منتدي تجمع قري قوزالرهيد والسديره ودالجمل والكفتة والعمارة وكريمت المغاربة
مرحباً بك عضواً فاعلاً وفكراً نيراً وقلماً وثاباً في منتدي تجمع قري قوزالرهيد والسديرة والكفته والعمارة وكريمت المغاربة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي تجمع قري قوزالرهيد والسديره ودالجمل والكفتة والعمارة وكريمت المغاربة
مرحباً بك عضواً فاعلاً وفكراً نيراً وقلماً وثاباً في منتدي تجمع قري قوزالرهيد والسديرة والكفته والعمارة وكريمت المغاربة
منتدي تجمع قري قوزالرهيد والسديره ودالجمل والكفتة والعمارة وكريمت المغاربة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سورة الرعد تفسير الايات1ــ3

اذهب الى الأسفل

سورة الرعد تفسير الايات1ــ3 Empty سورة الرعد تفسير الايات1ــ3

مُساهمة  جمال خالد يوسف الإثنين يناير 07, 2013 10:13 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
سورة الرعد مكية :
أيها الإخوة المؤمنون، سورة اليوم سورة الرعد، وهي سورةٌ مكيَّة، والسور المكيَّة تلفت النظر إلى آيات الله الدالَّة على عظمته، وتتحدَّث عن اليوم الآخر، وترسِّخ الإيمان بالله سبحانه وتعالى .
معاني الحروف المقطعة في أول السور :
ففي هذه السورة يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ المر ﴾
وقد تحدَّثنا عن هذه الحروف بالتفصيل في دروسٍ سابقة، وقد اختلف العلماء في تفسيرها، من قائلٍ: " الله أعلم بمُرَادِه "، إلى قائلٍ: " إن القرآن الكريم من هذه الحروف، ومع ذلك فالبشر لا يستطيع أن يأتي بمثله "، ومن قائلٍ: " إنها أسماء أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم "، إلى ما هنالك من تفسيراتٍ، فالقرآن كما تعرفون ليس ملك أحد، والقرآن حمَّال أوجه .
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَاب
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾
الكتابمنهج الحياة :
الكتاب بمعناه الدقيق القرآن الكريم، بمعناه الواسع الكُتُبُ التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رُسله لتكون منهجاً للبشر في حياتهم، آلةٌ صغيرة إذا اشتريتها تجد مُرفقاً معها نشرةً توضِّح لك طريقة استعمالها، ما من آلةٍ مهما تبدو لك بسيطةً غير معقَّدةٍ لابدَّ من نشرةٍ يوضِّح فيها صانعها طريقة استعمالها، وطريقة صيانتها، وطريقة إصلاحها، وما يصلح لها، وما لا يصلح، ماذا يؤذيها، ما ينفعها، إن كانت الآلة التي لا يبلغ ثمنها إلا مبلغاً زهيداً فإنها تحتاج إلى نشرةٍ تفصيليَّة .
فهذا الإنسان الذي كرَّمه الله سبحانه وتعالى، وجعله خليفةً له في الأرض، وعرض عليه الأمانة فحملها، وأعطاه حريَّة الاختيار، أودع فيه شهواتٍ هي في الوقت نفسه أداه لرقيِّه، وفي الوقت نفسه أداةٌ لتدميره، خلق له الكون، بَثَّ في الكون آياتٍ عظيمةً دالَّةً على مُلْكِهِ، أنزل له الكتاب ليكون منهجاً له في حياته، فحيثما وردت كلمة الكتاب في القرآن الكريم فإنها تعني الكُتُبَ السماويَّة التي أنزلها الله على رُسله لتكون منهجاً للبشر، فهذا الإنسان إما أن يشقى، وإما أن يسعد، يأتي الكتاب يقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا، إما أن يرقى وإما أن يسْفُل، يأتي الكتاب يقول له: افعل كذا من أجل أن ترقى، ولا تفعل كذا من أجل أن لا تسفل .
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾
الشيء الذي يعدل خلق الكون هو إنزال الكتاب :
ربنا سبحانه وتعالى قال :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾
( سورة الأنعام : من الآية 1)
خَلْقْ السماوات والأرض يقابله الظلمات والنور، أي الحق والباطل .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾
( سورة الأنعام : من الآية 1)
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾
( سورة الفرقان : الآية 1)
فكأنَّ الكون يعدل هذا الكتاب .
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38)وَمَا لا تُبْصِرُونَ(39)إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40)﴾
( سورة الحاقة )
إذاً: يجب أن تعلم علم اليقين أن الشيء الذي يعادل خلق السماوات والأرض هو هذا الكتاب الذي أنزله الله على نبيِّه ليكون هادياً لنا في حياتنا .
من اشترى آلةً بالغة التعقيد، جهازاً إلكترونيا لتحليل الدم، ولم ترسل له الشركة كتيِّباً فيه طريقة الاستعمال، ماذا يفعل؟ إن استعمله من غير هدى عطَّله، وإن تركه بلا استعمال جمَّده، هذه النشرة التي فيها تفصيلاتٌ عن طريقة استعمال هذا الجهاز الغالي هي لا تقلُّ قيمةً عن الجهاز أبداً، بل قد تكون أثمن من الجهاز لأنه من دونها يُعْطَبُ الجهاز .
إذاً :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾
وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
أي كتابٍ هذا ؟
﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾
كتاب البشر لا سلم من الخطأ والباطل :
أي أن هذا الكتاب ليس من صنع بشر، ادخل إلى مكتبة ترى فيها آلاف الكتب، ما من كتابٍ إلا وفيه صوابٌ وخطأ، ما من كتابٍ إلا وفيه حقٌّ وباطل، ما من كتابٍ إلا وفيه نقطةٌ عميقة ونقاطٌ ليست عميقة، ما من كتابٍ إلا وفيه خلل، ما من كتابٍ إلا وفيه رَيْب إلا كتاب الله سبحانه وتعالى، لذلك فضل كلام الله على كلام البشر كفضل الله على خلقه .
كتاب الله لا تنتهي فوائده :
مثل آخر.. لو أنك قرأت كتاباً، لو أتقنت كتاباً معيَّناً ما الفترة الزمنيَّة التي يمكن أن تستفيد منها أو فيها من الكتاب؟ لو قرأت كتاباً قيِّماً فتعلَّمت من خلاله صنعةً ما، لو قرأت كتاباً قيماً فتعلَّمت من خلاله حرفةً ما، مهما كان دخل هذه الحرفة كبيراً متى تنتهي فائدة الكتاب؟ عند الموت، لو أنَّك ألَّفت كتاباً أو قرأت كتاباً، أو طالعت كتاباً، ودرَّ عليك هذا الكتاب تأليفاً، أو مطالعةً، أو دراسةً، أو حفظاً ألوف الملايين، متى تنتهي فوائد هذا الكتاب؟ تنتهي عند الموت؛ لكن هذا الكتاب إذا قرأته، وفهمته، وطبَّقته، متى تنتهي فوائده؟ لا تنتهي فوائده، هذا كتابٌ أبديٌّ سرمدي، إذا قرأته وفهمته نفعك نفعاً لا حدود له .
فلذلك الإنسان يقيِّم الشيء بمدى نفعه، أو بزمن نفعه، أو بحدود نفعه، أو بحجم نفعه، فإذا قرأت كتاب الله، وعرفت منهجك في الحياة فإن هذا الكتاب لا تنقضي فوائده ولا بالموت، بل إن الموت نقطة تحوِّلٍ يسيرة في طريق الحياة الأبديَّة .
﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾
علاقة الربوبية بإنزال الكتاب :
لماذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾
لأن اسم الرَّب يعني المُمِدّ، يعني الذي يمد هذا الجسد بما يحتاجه، والذي يرعى النفس ويوجِّهها إلى طريق سعادتها، فاسم الرب له علاقةٌ وشيجةٌ بإنزال هذا الكتاب، الله سبحانه وتعالى لا يدع عباده من دون توجيه، لا يدعهم من دون منهج، لا يدعهم من دون دستور يسيرون عليه، حتى إنك لو رأيت شارعاً قد شُقَّ حديثاً تجد بعد حين وضِعَت عليه علاماتٌ ولافتاتٌ، هنا منعطفٌ خَطِر، وهنا تقاطعٌ خطر، وهنا منزلق، وهنا طريقٌ ذات اتجاهين، هذه اللافتات التي توضع على الطريق بعد شقِّها توضع رحمةً بالناس، رحمةً بهم .
إذاً :
﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾
كلام الله حقلأنه صادر عن الحق :
فلو أن هذا الكلام كلام بشر لكان لنا منه موقفٌ آخر، ولكنَّه كلام الله سبحانه وتعالى لا ريب فيه، لا خلل فيه، لا كذب فيه، لا مبالغة فيه، كتابٌ حكيم، كتابٌ أُنزل من عند الله فيه سعادتنا، فيه نبأ من كان قبلنا، فيه نبأ ما سيكون بعدنا؛ من علمٍ للساعة، من حديث الموت، من حديث البعث والنشور، فيه آياتٌ بيِّنات، فيه طريقٌ إلى الله سبحانه وتعالى .
﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾
فالحق اسمٌ من أسماء الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى قديمٌ أزلي، أبديٌّ سرمدي، لا شيء قبله ولا شيء بعده ..
﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ﴾
(سورة القصص : من الآية 88)
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)﴾
( سورة الرحمن )
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
( سورة آل عمران : من الآية 185)
فالشيء الباقي على الدوام هو الله سبحانه وتعالى، هو الحي الباقي الذي لا يتغيَّر، ولا يتحوَّل، ولا يُغيَّر، ولا يُبَدَّل .
﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ﴾
(سورة القصص : من الآية 88)
فإذا كان هو الحق فهو الدائم على الدوام .
معنى الحق :
أما معنى كلمة الحق فتعني الشيء الثابت الذي لا يتغَّير، لو بُنِيَ هذا البناء على أسسٍ صحيحة فإن البناء يبقى قائماً، إذاً كأنَّ هذا البناء بني على حق بمعنى أنه بني وفق قواعد هندسيَّة صحيحة، لو بني وفق قواعد هندسيَّة غير صحيحة، أو لو كان هناك خلل في بنائه لوقع البناء، صار البناء باطلاً، فمعنى الحق الشيء الثابت، حقَّ الشيءُ: أي استقرَّ، وبطل الشيء: أي ذهب وتلاشى، فما معنى كلمة الحق؟ الحق معناه أن هذا الكتاب ما فيه من قواعد، ما فيه من مبادئ، ما فيه من سُنَن، ما فيه من وعد، ما فيه من وعيد، لن يطرأ عليها تغيير، ولا تبديلٌ، وعده حق، وعيده حق، الجنَّة حق، النار حق، فكل شيءٍ جاء في هذا الكتاب هو الحق، أي شيءٌ ثابت، شيءٌ مستقر .
علامة الحق :
قال بعضهم : " علامة الحق أنه يطابق الواقع، وعلامة الحق أنه يطابق العقل "، الله سبحانه وتعالى وضع في الأرض سنناً، وركَّب العقل وفق سُننه، فعقل الإنسان لا يفهم الأشياء التي حوله إلا وفق مبدأ السببيَّة، فكل شيءٍ له سبب، فعقلنا جميعاً لا يستطيع أن يفهم شيئاً بلا سبب، كذلك خَلْقُ الله سبحانه وتعالى، ركَّب الخلق وفق أسباب، فالمطر له سبب، والرياح لها سبب، وإنبات النبات له سبب، لابدَّ من بذرة، ولابدَّ من أن يكون في البذرة رُشَيْم، ولابدَّ من ماء، ولابدَّ من تربة، ولابدَّ من جو، لابدَّ من حرارة من برودة.. إلخ، فإنبات النبات له أسباب، هبوب الرياح لها أسباب، نزول الأمطار لها أسباب، ففي الكون سُنَّة السببيَّة، وفي الكون سنَّة الغائيَّة، ما الغائيَّة؟ أي كل شيءٍ له غاية، كل شيءٍ خَلَقَهُ الله سبحانه وتعالى خلقه لغايةٍ أرادها، كذلك العقل لا يفهم الأشياء إلا وفق غايات .
إذا اطلعت على آلةٍ، ورأيت فيها مفتاحاً تحسُّ بحاجةٍ دقيقةٍ وماسَّةٍ إلى معرفة هدف وجود هذا المفتاح، هكذا العقل لا يفهم الشيء إلا بسبب، ولا يفهم الشيء إلا بغاية، ولا يقبل التناقض، هذه مبادئ العقل، وهذه مبادئ تنتظم الخلق في الأرض، تطابق مبادئ العقل على مبادئ خلق الله سبحانه وتعالى هو ما يجعل من الشيء حقاً أي واقعاً، لو قلت لك: هذا الشيء بلا سبب، تقول لي: هذا باطل، هذا كلامٌ مرفوض، لا يقبله عقلك .
كلّ ما في القرآن هو بمنزلة الأمر المشاهَد بالعين :
إذاً :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾
أي أن هذا الكتاب حق، لذلك ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
( سورة المائدة : من الآية 116)
هذا الكلام يقوله الله سبحانه وتعالى لسيدنا عيسى يوم القيامة، فلماذا استخدم الله الفعل الماضي؟ لأن الذي سيكون في كتاب الله في حكم الكائن، في حكم المحقَّق ..
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)﴾
(سورة الفيل )
لم أرَ، كأن هذا السؤال من الله عزَّ وجل استفهام تقريري، لماذا؟ لأن هذا الذي يخبرك عنه الله سبحانه وتعالى في حكم الرؤية .
معنى الحق، أي إذا وعد الله في الكتاب إنساناً بالحياة الطيِّبة فالوعد حق ..
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
(سورة النحل : من الآية 97 )
وعده حق، لابدَّ من أن يحيا حياةً طيِّبة، ووعد الله سبحانه وتعالى بالمَحْقِ ..
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾
( سورة البقرة : من الآية 276 )
أوعدهم بحربٍ من الله ورسوله، وعده حق ووعيده حق، الجنة حق، النار حق، فلذلك :
﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾
شيء ثابت، شيء مستقر، شيء لابدَّ من أن يقع، فالذي يقوله الله سبحانه وتعالى بحكم الواقع ..
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُون
الناس فريقان :
أي أن الناس خَيَّرَهُم الله سبحانه وتعالى بين الهدى والضلال، بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر، لكنَّ بعضهم آمن، وبعضهم كفر، بعضهم شكر، وبعضهم كفر، بعضهم سار على منهج الله، وبعضهم تنكَّب هذا المنهج ..
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
لا تكن مع الأكثرية :
إذاً: لا تكن مع الأكثريَّة الكافرة، وكن مع الأقليَّة المؤمنة، كن مع الأقليَّة التي عرفت ربَّها، من هو ربك الذي أنزل على رسوله هذا الكتاب؟ من هو؟ من هو ربك الذي بعث لك رسولاً معه كتابٌ منهجٌ لك تهتدي به؟ الله صاحب الأسماء الحسنى ..
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
حجم الكتاب بحجم صاحبه :
فإذا جاءك كتاب من صديق فلهذا الكتاب حجم، إن جاءك الكتاب ممن هو أعلى منك لهذا الكتاب حجم، إذا جاءك الكتاب من ملك فلهذا الكتاب بحجمٌ كبير، تقول: أهذا خطُّه؟ يقال لك: لا هذا ليس خطَّه، هذا توقيعه؟ يقال لك: نعم هذا توقيعه، إذاً: تأخذه مأخذاً عظيماً، فكيف إذا جاءك كتابٌ من ملك الملوك؟! أيقاس كلام البشر بكلام الله رب العالمين؟!
أحياناً يأمرك إنسانٌ بأمرٍ، ويتوعَّدك، وإن لم تفعل تُطَبَّق عليك المادَّة الفلانيَّة التي تنصُّ على كذا وكذا، تبادر سريعاً إلى تطبيق مواد القانون، فكيف إذا أمرك خالق الكون؟ ماذا تنتظر ؟
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾
(سورة الحديد : من الآية 16 )
عجبًا لأمر هذا الإنسان !!!
عجيبٌ أمر هذا الإنسان، أمر البشر يأخذه مهتمَّاً، ملء سمعه وبصره، يطبِّقه بحذافيره، يخشى مَغَبَّةَ مخالفته، أما أمر خالق البشر، أمر الذي بيده ملكوت كل شيء، أمر الذي إليه يُرْجَعُ الأمر ركلُّه، أمر الذي خلقك من ترابٍ، ثم من نطفةٍ، ثم سوَّاك رجلا، أمر الذي إليه المصير، أمر الذي إليه مصيرك إلى الأبد، هناك تلكُّؤٌ في تطبيق أمره، من عند مَن هذا الكتاب؟ من عند ربِّ العالمين، مَنْ ربُّ العالمين ؟
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
فلو أنَّك التقيت بمهندس، وقال لك صديقك: هذا فلان، ماذا يفعل اسمه؟ تقول له: تشرَّفنا، قال لك: هذا المهندس فلان، كلمة المهندس فلان ربَّما رفعته في نظرك إلى مستوى أعلى، إذا قال لك: هذا المهندس أنشأ أطول جسرٍ في العالَم بين قارَّتين، جسرٌ معلَّق تسير من تحته السفن مهما عَظُمَت، جسرٌ بين آسيا وأوروبا على البوسفور، إذا قيل لك: هذا هو فلان الفلاني الذي صمَّم ونفَّذ هذا الجسر، تمتلئ تعظيماً له، فإذا قيل لك: وهو الذي أنشأ نفقاً تحت البحر بين فرنسا وبريطانيا، تحت بحر المانش، نفق تحت البحر تسير فيه السيَّارات، يقول لك: هذا هو، وهو الذي أنشأ قاعدةً في بحر الشمال لاستخراج النفط، في البحر قاعدة فيها موظفون، وفيها آبار، وفيها نفط، وهو الذي نقل بناءً من مكانٍ إلى آخر، بناء ارتفاعه عشرون طابقاً نقله مائة متر، كيف نقله؟ كلَّما ذكر لك هذا الصديق عن هذا المهندس أعمالاً ضخمة قام بها يكبُر في عينك، وتمتلئ نفسك إعجاباً به، هذا مهندس، فإذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
عظمة النجوم والكواكب :
ما حجم الشمس؟ مليون وثلاثمائة ألف مرَّة تزيد على حجم الأرض، أي أن الشمس وحدها تتسع إلى مليون وثلاثمائة ألف أرض، فما حجم الأرض؟ انظر إلى سوريَّا على الخارطة، أو انظر إلى سوريا على الكرة الأرضيَّة المُجَسَّمَة، حجمها لا يتسع لكلمــــة (Dmascus)، حجم سوريَّا كلها لا يتسع لاسم عاصمتها، إذا نظرت إلى سوريا على الخارطة حجمها إلى آسيا صغير، هنا آسيا، وهناك أوروبا، وهناك إفريقيا، وهناك أمريكا، وهناك أستراليا، وهناك القارَّة السادسة في الجنوب، وهذه القارَّات الخمس تعدل خُمُسَ الأرض وأربعة أخماسها بحر، والأرض شبَّهوها بذرَّةٍ عالقةٍ في هواء الغرفة في أيَّام الشتاء، إذا دخلت الشمس إلى غرفتك، وكَنَسْتَ أرض الغرفة ترى في جوِّ الغرفة ذرَّاتٍ لا وزن لها عالقةً في سماء الغرفة، الأرض أحد هذه الذرات .
فإذا نظرت إلى قلب العقرب.. هكذا قال عنه العلماء.. الشمس والأرض مع المسافة بينهما يتسع لهما هذا النجم الذي اسمه قلب العقرب، إذا نظرت إلى مجرَّتنا درب التبَّانة فيها مليون مليون كوكب أو نجم، طولها مائة وخمسون ألف سنة ضوئيَّة، بيننا وبين القمر ثانيّةٌ ضوئيّةٌ واحدة، بيننا وبين الشمس ثماني دقائق، المجموعة الشمسيَّة ثلاث عشرة ساعة، درب التبَّانة طوله مائة وخمسون ألف سنة ضوئية، من هذه المجرَّة هناك مليون مليون مجرَّة .
قبل أيَّام قرأت في صحيفةٍ مقالاً مترجماً إلى اللغة العربية عن أحدث مجرةٍ تمَّ اكتشافها، قال: هذه المجرَّة كانت في مكانها الذي أرسلت منه ضوءها قبل اثني عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة، الآن أين هي؟ لا نعرف، هذا الضوء كان قبل اثني عشر ألف مليون سنة الآن وصل إلينا، وقالوا: لابدَّ أن هناك مجرَّات منذ أن خُلقَت وحتى الآن لم يصلنا ضوءها بعد، لازال ضوءها في الطريق، والضوء يقطع ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة .
﴿ اللَّهُ ﴾
صاحب الأسماء الحُسنى ..
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ ﴾
فهذه المجرَّات، أقرب نجم إلينا هو القطب، أربعة آلاف ستة ضوئيَّة، أجريت قبل شهر حساب على آلة حاسبة ترجمت هذا الرقم.. أربعة آلاف سنة ضوئيَّة.. ترجمته إلى زمن نستغرقه في السفر إليه عن طريق السيَّارة.. فرضاً.. نحتاج إلى سبعة وعشرين ألف مليون مليون سنة كي نصل إليه بالسيارة ..
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
لهذه الآية معنيان :
المعنى الأول للآية :
لا توجد أعمدة، بقدرته، فأنت إذا رأيت في محل تجاري قميصاً معلَّقاً بلا خيوط يأخذك العجب وتقول: كيف عُلِّق؟ إلى أن تكتشف أن هناك خيطاً شفَّافاً دقيقاً جداً عُلِّقَ فيه، إذا رأيت شيئاً معلَّقاً بلا عمود، بلا قاعدة يأخذك العَجَب العُجاب، هذه السماوات من رفعها ؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ﴾
(سورة فاطر : من الآية 41 )
يمسك السماء أن تقع على الأرض ..
﴿ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
( سورة الزمر : من الآية 67)
هذه السماوات من رفعها ؟
المعنى الأول: أنه رفعها بقدرته من دون عَمَد، ترونها بلا عمد .
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
انتهى المعنى ..
﴿ تَرَوْنَهَا ﴾
في مجال رؤوسكم، ترونها كل يوم .
المعنى الثاني :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
نظام الجاذبية :
أي أن هناك عمدًا لكنَّكم لا ترونها، نوضِّح هذا، لو جئت بقطعتين من المغناطيس ذات حجم واحد، وقد وضعت هاتين القطعتين على سطحٍ كهذه الطاولة، وكلَّفناك أن تضع بينهما كرةً حديديَّة بحيث تستقرُّ هذه الكرة، لا تنزاح إلى هذه القطعة ولا إلى تلك، إنك قبل كل شيء تبحث عن المسافة بين هاتين القطعتين، ثم تبحث عن منتصف هذه المسافة، لو أنَّ الكرة الحديديَّة انجذبت ميليمتراً واحداً إلى الجهة اليمنى لتابعت انجذابها، أن تضع كرةً مستقرَّةً بين قطعتي مغناطيس، هذا شيءٌ يصعب عليك، فإن كانت القطعتان متفاوتتين في الحجم فهذه تحتاج إلى حسابات معقَّدة جداً، لأن الانجذاب له علاقة بالكتلة والمسافة، هذه كتلتها أكبر وهذه كتلتها أصغر، يجب أن تحسب التفاضل بين الكتلتين، ثم تختار مكاناً، ثم تفاجأ أن هذا المكان غير صحيح، بدليل أنها انجذبت، هل تستطيع أن تضع كرةً في نقطةٍ لا تنجذب لا إلى هذه الكتلة ولا إلى هذه؟ أمرٌ صعبٌ جداً .
لو أنك كُلِّفت أن تضع كرة بين ثلاث كتل متفاوتة في الحجوم لكان هذا مستحيلاً، مستحيل أن تجعل كرة حديديَّة تستقر بين ثلاث كتل مغناطيسيَّة متفاوتة في الحجم، لو كلَّفناك أن تضع هذه الكرة في الفضاء بين كتلتين عموديَّاً، هذا شيء يبلغ حدَّ المستحيل، لو حرَّكنا هذه الكُتَل وقلنا لك: اجعل هذه الكرة تستقر مع التحريك، لكان هذا شيءٌ عجيبٌ جداً .
فكيف بهذا الكون الذي في كل مجرَّة مليون مليون نجم له حجم خاص، وله قوَّة جذب خاصَّة، وله مسار خاص، وله طبيعة خاصَّة؛ هذا طبيعته غازيَّة، هذا طبيعته صُلبة، هذا كوكب ملتهب، هذا كوكب منطفئ، وكيف أن محصِّلة هذه الكواكب أنها مستقرَّة استقراراً حركياً، وهذا من أعظم أنواع الاستقرار.. الاستقرار الحركي.. الاستقرار السكوني سهل جداً، ضع هذا الشيء على الطاولة يستقر، لكنَّ هذه الكواكب كلها تدور بحجومٍ متفاوتة، بمساراتٍ متفاوتة، بطبيعةٍ متفاوتة، بقوَّة جذبٍ متفاوتة .
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا
الله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ﴾
(سورة فاطر : من الآية 41 )
قد يتبادر إلى الذهن أن معنى كلمة ( تزول )أي تتلاشى، لا، إنَّ زوال الشمس عن كبد السماء يعني انحرافها، أي أن كل كوكبٍ في الكون له مسارٌ يسير عليه، لا يحيد عنه ولا درجة، لو حاد عنه درجة لاختل نظام الكون، فهناك مسار دقيق جداً، والدليل أنك تعرف قبل شهور أن الأرض سوف تشرق عليها الشمس يوم ثمانية وعشرين من أيلول مثلاً الساعة ستة وأربع دقائق، لولا أن الأرض لها مسارٌ دقيق لا تحيد عنه ولا درجة خلال آلاف ملايين السنين لما أمكن بني البشر أن يتنبئوا بأوقات الشروق والغروب، أدق ساعة في العالم تضبط على مسير بعض النجوم، يقول لك: هذه الساعة تخطئ في العام ثلاث ثوان، أما هذا الكوكب العملاق الذي يقطع ملايين الألوف فلا يحيد عن مساره ولا درجة !!
مذنب هالي هذا المذنب كشفه العلماء قبل الميلاد بستة قرون تقريباً، أي في القرن السادس قبل الميلاد، ومع ذلك منذ أن كشفه العلماء مساره ست وسبعين سنة لا تزيد ولا تنقص، فربنا عزَّ وجل قال :
﴿ اللَّهُ ﴾
هذا القرآن من عند رافع السماوات بغير عمد :
هل تعرف هذا الكتاب من عند من؟ فأحياناً تقول لإنسان: هل تعرف أن هذا الأمر من عند مَن؟ إذا كنت في الخدمة الإلزامية، وكان هذا الأمر من عند عريف فله وقع عندك، أما إن كان من عند أعلى رتبةٍ في الكتيبة فله وقع آخر، هل تعرف هذا الكتاب من عند من ؟
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
إما أن تأخذ المعنى الأول .
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
بقدرته ..
﴿ تَرَوْنَهَا ﴾
ترونها أيها البشر بغير عمدٍ .
أو :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
إذا قلنا : بغير عمد ترونها، أي هناك عمد لا ترونها، وهذه العمَد هي قوى التجاذب بين الكواكب، قوة الجاذبية، ما الذي يجعل هذه القطعة تسقط؟ أن كل شيءٍ على الأرض ينجذب إلى مركزها .
ارتباط الأشياء بالأرض من نعم الله :أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا
هذه آيةٌ من آيات الله الدالة على عظمته، لو أننا ركبنا مركبةً فضائية نصل في الفضاء بين الأرض والقمر إلى نقطة تسمَّى نقطة انعدام الجاذبية، يصبح الشيء بلا وزن، تمسك هذا المنديل فيبقى في مكانه لا يسقط، تمسك شيئاً ثقيلاً يبقى في مكانه، فارتباط الأشياء بالأرض من نعم الله سبحانه وتعالى ..
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا ﴾
(سورة النمل : من الآية 61)
من جعل الأشياء تستقر عليها؟ أليس الله سبحانه وتعالى الذي أعطاها قوة الجذب .
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا ﴾
(سورة النمل : من الآية 61)
كل شيء يستقر على الأرض، تضع هذه القطعة هنا تبقى في مكانها، تضع هذه الطاولة هنا تبقى في مكانها، تضع هذا الكرسي هنا، لو أنك جئت إلى البيت، ورأيت الكرسي في السقف، كيف تنزله، لولا قِوى الجذب لوقعت في حيرةٍ كبيرة، تضع الأشياء قبل أن تخرج في مكانها، تعود فإذا هي في السقف كلها، فهذا شيء صعب جداً ..
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا ﴾
(سورة النمل : من الآية 61)
جعل كل شيءٍ مرتبطاً بالأرض ، هذا معنى أول ..
المعنى الثاني :
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا ﴾
(سورة النمل : من الآية 61)
أي أن هناك استقرارا تاما، أرقى أنواع الطائرات لابدَّ من أن تهتز، أرقى أنواع السيارات، أحدث موديل، أوزن نوع لابدَّ من بعض الاهتزاز في السير، هل تستطيع أن تضع فنجان قهوة على مقعد السيارة وهي تسير؟ لابدَّ من أن يقع، لكن الأرض تسير في الثانية الواحدة ثلاثين كيلو متراً، فنحن الآن منذ أن بدأ الدرس وحتى الآن.. بدأنا قبل نصف ساعة تقريباً، ثلاثين دقيقة.. ثلاثون دقيقة في ستين ألف وثمانمائة ثانية، ألف وثمانمائة ثانية ضرب ثلاثين، قطعنا حوالي ستين ألف كيلو متر في هذه النصف ساعة، بالاحساب ثلاثون كيلو مترا بالثانية، شيء دقيق جداً، ومع ذلك استقرار، لو تحركت الأرض درجة واحدة لرأيت في البناء تشققات، هذا البناء يقول لك: معمر من خمسين سنة، من مائة سنة، من ألف سنة، لا تجد فيه شقاً واحداً، هذا دليل الاستقرار التام مع الحركة السريعة .
﴿ اللَّهُ ﴾
هل عرفتني يا عبدي ؟
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
فقوى التجاذب وحدها أكبر دليلٍ على عظمة الله سبحانه وتعالى، هذا الاستقرار، ربط الأشياء بالأرض .
دورة الأرض حول الشمس :
شيء آخر، دورة الأرض حول الشمس، تدور الأرض دورتها حول الشمس في مدار إهليلجي، والشكل الإهليلجي البيضوي كما تعلمون ليس متساوي البعد عن المركز، أما محيط الدائرة فبعده عن مركزه واحد، لذلك ترسم الدائرة عن طريق الفرجار، لكن الشكل البيضوي لا يرسم إلا بطريقةٍ معقدة، بمركزين وخيط وقلم، هذا الشكل البيضوي له بعدٌ أعظمي وبعدٌ أصغري، فإذا كانت الأرض في بعدها الأصغري عن مركز مدارها، ماذا يحصل؟ لابدَّ من أن تجذبها الشمس، لأن قوى التجاذب متعلقةٌ بالحجم والمسافة، فإذا قَلَّتِ المسافة زادت قوة الجذب، لو لم يكن لهذا الكون إله ماذا حصل؟ في أثناء مسار الأرض حول الشمس وفي المكان الذي يعد فيه البعد أصغرياً عن مركز المسار، أو عن الشمس، لابدَ من أن تنجذب الأرض إلى الشمس فتنتهي الأرض، ماذا يحصل؟ هكذا قال العلماء: الأرض تزيد من سرعتها فينشأ من هذه الزيادة قوةً نابذةً تقابل القوة الجاذبة، فتبقى الأرض في مسارها ..
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ﴾
(سورة فاطر : من الآية 41 )
أي يمسك الأرض أن تزول عن مسارها، إذا زالت عن مسارها انجذبت إلى الشمس فتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، الأرض كلها إذا ألقيت في الشمس تبخرت في ثانيةٍ واحدة، لو أنها لم تزد سرعتها، أو لو أن الله سبحانه وتعالى لم يزد في سرعتها لانجذبت إلى الشمس، وتبخرت في ثانيةٍ واحدة، وتبخرنا نحن معها، طبعاً إذا كان الصخر سيصبح بخاراً فما قولك بالبشر؟ لكن الله سبحانه وتعالى يزيد من سرعتها .
هناك آية ثانية، لو أنه زاد من سرعتها فجأةً لانهدم كل ما على الأرض، تقول: هنا كان يوجد مدينة اسمها لندن، هنا كان يوجد مدينة اسمها دمشق، هذه الأبنية الشاهقة تنهار في ثانية، لو أن الأرض زادت من سرعتها في ثانيةٍ واحدة فجأةً، لكن الله اللطيف يزيد من سرعتها تدريجياً، وينقص من سرعتها تدريجياً، الزيادة التدريجية تؤكد اسمه اللطيف، والنقص التدريجي يؤكد لطفه، والزيادة والنقصان يؤكدان علمه، والتحريك يؤكد قدرته، الكون مظهرٌ لأسماء الله الحسنى .
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
المعنى الأول للاستواءعلى العرش :
الاستواء معلوم والكيف مجهول، بلا تجسيدٍ ولا تعطيل، هناك من جَسَّد، وهناك من عَطَّل، وأهل السنة والجماعة لا يجسدون ولا يعطلون، استوى على العرش بلا كيف، أما الاستواء في أوجه معانيه العلو، وهو العلي الأعلى، والعرش في أوجه معانيه فوق الكون، شيءٌ فوق الكون، هذا معنى .
المعنى الثاني :
معنى آخر.. أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ثم بثَّ فيه الحياة، من بعض التفسيرات أن العرش هو الكون، ومن بعض التفسيرات الأخرى أن العرش شيءٌ فوق الكون، والاستواء هو العلو، والله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى الوهاب، وللعلماء في هذه الآية أقوالٌ كثيرة، واستغرقت هذه الآية عشرات الصفحات وأوقاتاً طويلةً بين العلماء بين أخذٍ ورد، على كلٍ نكتفي بما قاله الله عزَّ وجل لا نزبد عليه ولا ننقص منه، لا نعطل هذه الآية، ولا نجسِّد الذات الإلهية :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
الشمس مسخَّرة لنا، لو لم تكن مسخرةً لنا لأحرقتنا، لو لم تكن مسخرةً لنا لأهلكتنا، لكنها مسخرةٌ لنا .
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾
كلّ الكواكب تجري إلى أجل مسمى :
كلٌ، لا تشمل الشمس والقمر فقط، بل إنها تزيد على الشمس والقمر، أي أن كل كوكبٍ في الكون يجري لأجلٍ مسمى، العلماء فسروا هذا الأجل تفسيراتٍ عِدَّة، بعضهم قال: كل كوكبٍ له مسارٌ لا يحيد عنه، ويقطع هذا المسار في وقتٍ لا ينقص ولا يزيد، وبعضهم قال: لكل كوكب وقتٌ تنتهي عنده وظيفته .
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)﴾
( سورة التكوير )
أي أن هذا الكوكب انتهت وظيفته ، له عمر ..
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)﴾
( سورة يس )
حتى إن بعض العلماء استنبط من هذه الآية أن نظام الذرة منطوٍ في هذه الآية .
﴿ وَكُلٌّ ﴾
أي كل ذرةٍ خلقها الله عزَّ وجل تتحرك حول نواةٍ .
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)﴾
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾
أمرُ الكون كله بيد الله :
من يدبِّر الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، من يحرِّك الرياح؟ الله سبحانه وتعالى، من يجعل هذا البحر يتبخَّر؟ يشَكِّل السحاب الثقال يسوقه إلى بلدٍ ميت، يحيي به الأرض بعد موتها؟ الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى يدبر الأمر، من ينبت المزروعات ؟
﴿ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64)﴾
( سورة الواقعة )
من يعقد الثمار؟ من يحرِّك الُسوَيْق؟ من يحرك الجُذير؟ من يجعل هذا الغذاء ينساب إلى هذا النبات؟ من يجعل هذه الفواكه في طعوم مختلفة؟ الله سبحانه وتعالى، من خلق محاصيل القمح؟ الله سبحانه وتعالى، من خلق الهواء؟ الله سبحانه وتعالى، من خلق الماء؟ الله سبحانه وتعالى .
﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾
الله لا يشغله تدبيرُ الأمر عن تفصيل الآيات :
أي لا يشغله تدبير الأمر عن تفصيل الآيات، ولا يشغله تفصيل الآيات عن تدبير الأمر، فالطبيب الجرَّاح إذا كان منهمكاً في إجراء عمليةٍ جراحية لا يستطيع في هذا الوقت العصيب أن يعلِّم طُلاَّبه، والذي يعلم طلابه وهو منهمكٌ في المحاضرة لا يستطيع أن يفحص مريضاً، أما أن ترى طبيباً يجري عمليةً جراحية وفي الوقت نفسه يعلمِّ طلابه طريقة إجراء هذه العملية، فهذا عنده قدرات فائقة تفوق حد البشر، ربنا عزَّ وجل ولله المثل الأعلى .
﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾
في الوقت نفسه يخلق، ويدبِّر، ويمد، ويعلم.. كل ذلك ..
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُون
أسعد لحظات المؤمن ساعة لقاء ربه :
لعلك ترى أن لقاءك مع الله هو أسعد شيءٍ في الحياة، يجب أن تعلم علم اليقين أنه ما من شيءٍ في الأرض يسعدك إلا أن تكون مع الله سبحانه وتعالى، إلا أن تلتقي به، اللقاء مع الله لا يعني الموت، فعامة الناس يفهمون أن فلاناً لقي ربه أي مات، يقول لك: لا راحة لمؤمنٍ إلا بلقاء وجه ربِّه، فكأن الحياة كلها متاعب، بعضهم وجه هذا القول: لا راحة لمؤمنٍ إلا أن يتصل بربه، إذا التقى مع الله عزَّ وجل ولقاء الله له ثمن، ثمنه العمل الصالح ..
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ﴾
( سورة الكهف : من الآية 110 )
إذا قال لي أخٌ كريم: أشعر بضيق، أشعر بجفوة، أنا منقطع عن الله عزَّ وجل، لقاء الله ثمنه محدد، باب الله مفتوح على مصراعيه، أيُّ عبدٍ في أي مكانٍ وزمان إذا أراد أن يلتقي بالله عزَّ وجل فالباب مفتوح .
العمل الصالح ثمن الجنة :
أما الثمن فهو العمل الصالح ..
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
( سورة الكهف : من الآية 110 )
لابدَّ من استقامةٍ ولابدَّ من عملٍ صالح، فلذلك اللقاء مع الله مسعد، فإذا اتصل الإنسان بالله عزَّ وجل يقول كما قال أحد العارفين بالله: " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف "، فوالله الذي لا إله إلا هو ما من علامةٍ صادقةٍ على إيمانك كأن تكون سعيداً بلقاء الله، فالمؤمن الصادق لا يتمنَّى الدنيا، لا يتمنى الرفاه العريض، لا يتمنى الجاه العريض، لا يتمنى المال الوفير، يتمنى لقاء الله عزَّ وجل .
فما مقصودهم جنات عــدن ولا الحور الحسان ولا الخيام
سوى نظر الحبيب فذا مُناهم و هذا مطلب القوم الكــرام
مَن عرف ما عند الله زهد في الدنيا :
أي أن هؤلاء العارفين بالله عرفوا أثمن ما في الكون، عرفوا الله، فزهدت نفوسهم فيما سواه .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ(38)﴾
( سورة التوبة )
أرَضيتَ بها، إذا دخلت على ملك تقول له: أتوسَّل إليك أن تعطيني قلم رصاص، هذا يعجبك؟! ترضى به؟! فكيف إذا وقفت بين يدي ملك الملوك أترجو منه الدنيا وهي زائلة؟ أعطاها لأعدائه، أعطاها لمن يحب ولمن لا يحب .
(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاء ))
[ سنن الترمذي عن سهل بن سعد ]
النبي عليه الصلاة والسلام رأى شاةً ميتةً قد انتفخ بطنها، وفاحت رائحتها الكريهة، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( انظروا إلى هذه الشاة كم هي هينةٌ على أهلها، والذي نفس محمدٍ بيده الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ))
[ الحاكم في المستدرك عن سهل بن سعد ]
لا شأن لها عند الله، " فلينظر ناظرٌ بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حينما زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا " .
" يا بُنَي، ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية " .
إذا عرفت الله سبحانه وتعالى فأنت أسعد السُعداء، سيدنا علي كرم الله وجهه يقول: " المال نعمة، وأفضل من المال نعمة الصحة، وأفضل من نعمة الصحة نعمة الإيمان، والفقر بلاء وأشد من الفقر المرض، وأشد من المرض الكُفر "، فإذا كنت مؤمناً فعلى الدنيا السلام، هذا الذي عرفك يا رب ماذا فاته؟ والله ما فاته شيء، وهذا الذي لم يعرفك يا رب ماذا حَصَّل؟ والله لم يحصّل شيء .
" ابن آدم، أطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإذا فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
هذا هو الله فاعرفه بآثاره في الكون :
فليس في الكون إلا حقيقة واحدة هي الله، فإذا عرفته فقد نجحت، وإذا غاب عنك أو غِبت عنه فقد شقيت، وعندئذٍ لا تنفع الدنيا ولا ما كان من الدنيا .
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
خلق لك شمساً ..
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾
خلق نجوماً، خلق مجرَّات، خلق مذنَّبات، خلق أمطاراً، خلق رياحاً، خلق نباتاً، خلق أطياراً، خلق أسماكاً، خلق إنساناً، خلق لك من نفسك زوجة، أنجبت طفلاً لك كالزهرة تعرف أصله، من ماءٍ مهين، هذا الطفل يتكلم، يتحرك، يضحك، يبكي، له دماغ، له عينان، له شفتان، له لسان، له أذنان، له قلب، له رئتان، له أمعاء، له معدة، له أعصاب، له عضلات، له عظام، له أجهزة، له أعضاء، خلقك من أجل أن تعرفه، ما عرفته، أرسل زلازل، أرسل فيضانات، آثار براكين ..
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
( سورة الأنعام : من الآية 65 )
من أجل أن تعرفه، ما عرفته ..
﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾
( سورة الأنعام : من آية " 65 )
من أجل أن تعرفه، ما عرفته ..
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ﴾
( سورة الأنعام : من الآية 65 )
ما عرفته ..
﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
( سورة الأنعام : من الآية 65 )
ما عرفته :
﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
أرسل لك محنة، ضيَّق عليك، أرسل لك مالاً، وهبك طفلاً، غاب عنك هذا الطفل، من أجل أن تعرفه .
إذاً :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2)وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ
المعنى الأول :
جعلها ممتدة، ليس في الأشكال الهندسية إلا شكل واحد، الخطوط السطحية ممتدة لا تنقطع، وهو الشكل الكروي، هذه الآية دليلٌ على أن الأرض كرة، امسك قلماً من الرصاص، وامسك كرةً، وخط على هذه الكرة خطاً، وتابع الحركة الخط لا ينقطع، لا ينقطع أبداً، الخط ممتد .
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾
هذا المعنى الأول .
أي أن الشكل الهندسي الوحيد الذي تمتد عليه الخطوط بلا انقطاع هو الشكل الكروي، إذاً: الأرض كرة .
المعنى الثاني :
من رحمة الله بك جعلها كرةً كبيرة، فالأرض أمامك منبسطة، وكأنها منبسطة، إذاً: مد الأرض جعلها ممتدة أمامك، ليسهل عليك زرعها، وبناء بيتك فيها، والسكنى فيها، والحركة، هذا الذي يشتري أرضاً من سفح جبل، يجد صعوبةً كبيرة في زراعتها ..
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾
إذاً: جعلها ممتدة، جعلها منبسطة، جعلها كروية .
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي
أهمية الجبال في ثبات الأرض :
فلولا هذه الجبال كيف تتحرك الأنهار؟ وفق نظام الأواني المستطرقة، لولا الجبل لما سال النهر، لأن الجبل مكان مرتفع، وبحسب نظام الجاذبية الماء يتحرَّك من الأعلى إلى الأدنى .
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾
الأرض من دون الجبال تضطرب في دورانها، تأتي الجبال فتجعل دورانها مستقراً .
شيءٌ آخر في الجبال ..
﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾
( سورة النحل : من الآية 15 )
هذا هو المعنى، والجبال أيضاً جعلها الله أوتاداً، معنى أوتاداً أن هذه الطبقات السطحية لولا الجبال لاضطربت بفعل الدوران، لأن الدوران يسبب حركةً في طبقات الأرض، وكل طبقةٍ لها قوامها، ولها كثافتها، فإذا اختلفت كثافة الطبقات تحرَّكت حركات متباينة، فاضطربت الأرض، تأتي الجبال كالأوتاد تثبِّت هذه الطبقات بعضها ببعض، فالله سبحانه وتعالى جعل الجبال أوتاداً، وجعل الجبال رواسي أن تميد بكم .
الحكمة من ذكرِ الأنهار بعد الحبال :
والشيء الغريب أنه حيثما وردت في الأعم الأغلب كلمة الجبال أردفها الله بالأنهار، لأن مستودع الأنهار في الجبال، فلو أن أحدنا دخل إلى بعض المغارات السياحية.. في لبنان مغارة.. هذه المغارات هي مستودعات للماء العذب، صخورٌ إسفنجية، هذه الصخور فيها مواد معدنية تنحل في الماء، فإذا انحلَّت في الماء صار الماء معدنياً صالحاً للشرب، فيه فلور، وفيه كالسيوم، فيه منغنزيوم، لذلك المياه التي تحلَّى من البحر ليست صالحةً للشرب إطلاقاً، لماذا؟ لأنها خاليةٌ من هذه المعادن، لكن الله سبحانه وتعالى جعل المياه في أعماق الجبال، وحَلَّ فيها بعض المعادن من أجل أن تكون هذه الأملاح المعدنية فيها قوام حياتنا، لولا الفلور لما بقي في فم أحدنا سِن، المادة التي تقي نخر الأسنان هي الفلور، يجب أن تكون في الماء بنسبٍ قليلةٍ جداً، فالفلور، والكالسيوم والمنغنيزيوم، كلها محلولة في الماء، فربنا عزَ وجل جعل الجبال مستودعات للمياه العذبة .
لكن هذا المستودع لو تصورنا أنه مستودع مجوَّف كما يتخيَّل بعضنا، لكان من جرَّاء ذلك أن ضغط الماء يصدِّع الجبل فتخرج المياه دفعةً واحد فتُغْلِقُ المدينة، لكنه من أجل أن لا تنطلق المياه من الجبل دفعةً واحدة جعل الله سبحانه وتعالى طبيعة الجبل من الداخل إسفنجية، فالماء يرشح رشحاً، فهذا المستودع الكبير يُفْرِغُ محتواه على مدار العام بأكمله، هذه الينابيع، يقول لك: هذا الينبوع، نهر الأمازون كثافته ثلاثمائة ألف متر مكعب في الثانية على مدار العام، تقل أحياناً، نبع الفيجة كثافته ستة عشر متر مكعب في الثانية، ينزل للمتر، للنصف متر أحياناً.
إذاً: حيثما ذكر الله الجبال ذكر معها الأنهار لأن الجبال مستودعات لمياه الأنهار .
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ﴾
والجبال أيضاً مصَدَّات للرياح .
﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾
وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتجَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
الثمرات أنواع كثيرة :
التفاح أكثر من ثلاثة آلاف نوع، مَرْكز في دوما لإجراء البحوث الزراعية، أعلمني صديقٌ لي أن ثمة ثلاثمائة نوع من العنب، ما من ثمرة إلا ولها أنواع منوَّعة، المشمش، التفاح، الكمثرى، الدرَّاق، هذه الأنواع المنوعة مبالغةً في إكرام الإنسان .
﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾
كم نوع للبطيخ؟ كم نوع للتفاح؟ سكري، شتوي، الأصفر، الأحمر، أنواع كثيرة، في الأشكال والحجوم والطعوم .
إذاً :
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾
النبات ذكر وأنثى :
أحدث اكتشاف أنه ما من نباتٍ إلا وفيه ذكرٌ وأنثى، حتى النباتات التي كان يظن أنها وحيدة الجنس اكتشف أنها مؤلفةٌ من أعضاء مذكرة وأعضاء مؤنَّثة في النبات الواحد .
﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾
حتى الكمأة التي يظن أن لا بذر لها .
والحمد لله رب العالمين
جمال خالد يوسف
جمال خالد يوسف
عضو ذهبي

عدد المساهمات : 257
تاريخ التسجيل : 17/06/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى