الاسلام دين الحق
صفحة 1 من اصل 1
الاسلام دين الحق
الإسلام دين الحق والخير والجمال؛ لأنه حق كله، وخير كله، وجمال كله؛ فلا
باطل فيه، ولا شر فيه، ولا قبح فيه. وأما ما عداه فيختلط فيه الحق بالباطل
والخير بالشر، والجميل بالقبيح. وهو دين الحق والخير والجمال؛ لأنه يوائم
بين هذه القيم الثلاث، ويجعل كلاًّ منها كما ينبغي أن يكون معاضداً للآخر
ومعيناً عليه، بينما يجعلها غيره من المذاهب والحضارات والنِّحَل متشاكسة
متضاربة، يهدم بعضها بعضاً. يرون في جمال الفنون مسوِّغاً لاتخاذها وسيلة
إلى قول الزور، وهدم الفضيلة؛ وفي جمال التعبير شعراً كان أم رواية ما
يجعل من حق القائل أن يختلق الأباطيل ويروِّج للشرور، ويجاهر بالفسوق.
والإسلام دين الحق والخير والجمال؛ لأن المعبود الذي يدعونا إليه هو الحق، وهو فاعل الخير، وهو الجميل الذي لا يضاهي جمالَه جمالٌ.
فالله تعالى هو الحق الأعلى الذي لا يقارِب أحقيتَه حقٌّ؛ فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو الخالق لكل شيء.
وربنا تعالى خيرٌ مَحْضٌ؛ فالخير كله بيديه، والشر ليس إليه. وربنا تعالى جميل يحب الجمال.
والرسول الذي أرسله إلينا حق، نعرف نسبه، ومولده، ونشأته، وصفاته، بل نعرف
عنه ما لا يعرف أحد عن بشر سواه؛ فهو ليس كأولئك الذين يعتقد بعض أصحاب
الديانات فيهم، وهم لا يملكون دليلاً تاريخياً حتى على وجودهم، دعك من
سيرتهم.وكان رسولنا متصفاً بكل صفات الخير، حتى قال عنه ربنا سبحانه :
((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[القلم: 4]، وحتى قالت عنه زوجه التي
عرفت مداخله ومخارجه: كان خلقه القرآن [رواه أحمد ح: 33460].
كان صادقاً، أميناً، وفياً، كريماً، رحيماً، شجاعاً، صبوراً، دوَّاراً مع
الحق حيث دار، لا تأخذه في الله لومة لائم. وكان جميل الصورة، جميل الروح،
جميل الحديث. وكان لذلك رجلاً مهيباً.والقرآن الكريم الذي أنزله تعالى
كتاب يقول الحق، ويهدي إليه، ويأمر بالخير وينهى عن الشر، ويعبر عن كل ذلك
بلغة هي الذروة العليا من الجمال: ((بالحق أنزلناه بالحق نزل)) [ الإسراء:
105].
((ألـم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) [ البقرة: 1، 2].
((لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [ فصلت: 42].
((إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [ الإسراء: 9].
((وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلاً)) [ الأنعام: 115]. (صدق في الأخبار وعدل في الأوامر والنواهي).
((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ)) [ الزمر: 23].
فهو ليس كالكتب الدينية التي يشك أصحابها في أصولها، وفي ترجماتها، وفي معانيها.
وبما أن هذه القيم الثلاث مجتمعة في الإله المعبود، وفي الرسول المبعوث،
وفي الكتاب المنزل، فإن أحسن أحوالها أن تكون كذلك متداخلة في حياة البشر.
ولذلك نجدها متداخلة موصوفاً بعضها ببعض في كتاب ربنا وسنة رسولنا: فمكارم
الأخلاق توصف بالجمال. ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى
مَا تَصِفُونَ)) [يوسف: 18]، ((فاصبر صبراً جميلاً)) [ المعارج: 5]. القول
يوصف بالحسن وهو مفهوم جمالي وبه يوصف الفعل: ((ادفع بالتي هي أحسن)) [
المؤمنون: 96]، ((وقولوا للناس حسناً)) [البقرة: 83]، ((وجادلهم بالتي هي
أحسن)) [النحل: 125].
ولا تناقض بين الانتفاع بالشيء وتذُّوق جماله، بل إن هذا الذي ينبغي أن
يكون(والأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ومَنَافِعُ ومِنْهَا
تَأْكُلُونَ (5) ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ
تَسْرَحُونَ (6) وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا
بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(7))) [النحل: 5 - 7].
((قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنا مَا لَوْنُهَا قَالَ إنَّهُ
يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ)) [البقرة: 69].
((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
يَعْدِلُونَ)) [النمل:60].
وتأمل هذه الآية الكريمة التي يأمرنا الله تعالى فيها بالنظر إلى ثمر
النبات وينعه: ((انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ إنَّ فِي
ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأنعام: 99]. والنظر إلى
الثمر والينع لا ينفكُّ عن رؤية ما فيه من بهجة وجمال. فكما أن خلقه آية،
وما فيه من غذاء آية، فجماله أيضاً آية لقوم يؤمنون. وانظر كيف جمع سبحانه
بين الأمر بالنظر إليه، والأمر بإيتاء زكاته(كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا
أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ))[الأنعام: 141].
والمحظوظ من كانت له زوجة تجمع بين حسن الخلق وجمال المنظر: إن نظر إليها
سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله. [رواه ابن
ماجة ح: 1847].
وكما أن هذه القيم يوصف بعضها ببعض فإن ديننا يجعل بعضها وسائل لبعض.
فالدعوة إلى الخير لا تبنى إلا على الحق، ولا تكون إلا مقرونة بالحسن
والجمال: فالقصص القرآني أحسن القصص محتوىً وأسلوباً، لكنه كله مبني على
الحق، لا على الخيال. إنه يقرر واقعاً ولا يختلق باطلاً ليتوسل به إلى
عِبرٍ أخلاقية أو دينية: ((نحن نقص عليك أّحسن القصص)) [يوسف: 3].
((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ
حَدِيثاً يُفْتَرَى ولَكن تَصْدِيقَ الَذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ
كُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [يوسف: 111].
والدعوة إنما تكون بالكلام الجميل الذي تأنس به المسامع وترتاح إليه
القلوب: ((وقولوا للناس حسناً)) [البقرة: 38]، ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل: 125].
لكن بعض إخواننا عفا الله عنهم جعلوا الدعوة إلى أعظم حق وأفضل خير ـ
عبادة الله وحده، والاستمساك بسنة نبيه ـ جعلوها مرتبطة بأنواع من الجفاء
والغلظة التي تنفر منها طباع الكرام. ألم يتأملوا قول الله تعالى لرسوله :
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ
القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [ آل عمران: 169].
ودعوة الحق إنما يصلح لها هذا النوع من كرام الناس. إنهم هم الذين يصدقون
فيها ويتحملونها بقوة وشجاعة. فليكونوا هم إذن طَلِبَتَنا حين ندعو؛
ولندعهم لذلك بطريقة تليق بهم، فتجمعهم حولنا ولا تنفرهم منا. أما اللئام
الذين يرضون بالهوان فلا خير فيهم، ولا رجاء منهم.
وقابل هؤلاء أناس تذرعوا بلين الكلام وخفض الجانب ليوقعوا الناس في مهالك
الشرك والابتداع. والسعيد من وفقه الله تعالى للدعوة إليه بالتي هي أحسن.
وقال إيليا أبو ماضي
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس * * * تتوقّى قبل الرحيل رحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى * * * أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ * * * من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال * * * لا يرى في الوجود شيئا جميلا
فتمتّع بالصبح ما دمت فيه * * * لا تخف أن يزوا حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك هم * * * قصَّر البحث كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الروابي * * * فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها والحقل ملك سواها * * * تخذت فيه مسرحا ومقيلا
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كن جميلا ترى الوجود جميلا
الجمال إذن محمود ومرغوب فيه، وهو قرين الحق والخير. فأما حين يكون
مَظِنَّةً لأن يُتَّخَذَ وسيلة لهدم المكارم فإن الإسلام يمنع الاستمتاع
به. ولذلك فإنه يحرم النظر إلى بعض الصور الجميلة، والاستماع إلى بعض
الأصوات الجميلة حين يكون ما فيها من جمال ذريعة إلى شرك أو هدم مكارم.
ولهذا حرم النظر إلى زينة النساء لغير محرم أو زوج؛ لأن الاستمتاع بجمالهن
قد يكون وسيلة إلى هدم الفضيلة. وأباحه للمحارم؛ لأن هذه العلة منتفية في
حقهم، وأباحه للأزواج، بل ودعاهم إليه؛ لأنه استمتاعٌ حلال، وقد يكون
باطل فيه، ولا شر فيه، ولا قبح فيه. وأما ما عداه فيختلط فيه الحق بالباطل
والخير بالشر، والجميل بالقبيح. وهو دين الحق والخير والجمال؛ لأنه يوائم
بين هذه القيم الثلاث، ويجعل كلاًّ منها كما ينبغي أن يكون معاضداً للآخر
ومعيناً عليه، بينما يجعلها غيره من المذاهب والحضارات والنِّحَل متشاكسة
متضاربة، يهدم بعضها بعضاً. يرون في جمال الفنون مسوِّغاً لاتخاذها وسيلة
إلى قول الزور، وهدم الفضيلة؛ وفي جمال التعبير شعراً كان أم رواية ما
يجعل من حق القائل أن يختلق الأباطيل ويروِّج للشرور، ويجاهر بالفسوق.
والإسلام دين الحق والخير والجمال؛ لأن المعبود الذي يدعونا إليه هو الحق، وهو فاعل الخير، وهو الجميل الذي لا يضاهي جمالَه جمالٌ.
فالله تعالى هو الحق الأعلى الذي لا يقارِب أحقيتَه حقٌّ؛ فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو الخالق لكل شيء.
وربنا تعالى خيرٌ مَحْضٌ؛ فالخير كله بيديه، والشر ليس إليه. وربنا تعالى جميل يحب الجمال.
والرسول الذي أرسله إلينا حق، نعرف نسبه، ومولده، ونشأته، وصفاته، بل نعرف
عنه ما لا يعرف أحد عن بشر سواه؛ فهو ليس كأولئك الذين يعتقد بعض أصحاب
الديانات فيهم، وهم لا يملكون دليلاً تاريخياً حتى على وجودهم، دعك من
سيرتهم.وكان رسولنا متصفاً بكل صفات الخير، حتى قال عنه ربنا سبحانه :
((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[القلم: 4]، وحتى قالت عنه زوجه التي
عرفت مداخله ومخارجه: كان خلقه القرآن [رواه أحمد ح: 33460].
كان صادقاً، أميناً، وفياً، كريماً، رحيماً، شجاعاً، صبوراً، دوَّاراً مع
الحق حيث دار، لا تأخذه في الله لومة لائم. وكان جميل الصورة، جميل الروح،
جميل الحديث. وكان لذلك رجلاً مهيباً.والقرآن الكريم الذي أنزله تعالى
كتاب يقول الحق، ويهدي إليه، ويأمر بالخير وينهى عن الشر، ويعبر عن كل ذلك
بلغة هي الذروة العليا من الجمال: ((بالحق أنزلناه بالحق نزل)) [ الإسراء:
105].
((ألـم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) [ البقرة: 1، 2].
((لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [ فصلت: 42].
((إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [ الإسراء: 9].
((وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلاً)) [ الأنعام: 115]. (صدق في الأخبار وعدل في الأوامر والنواهي).
((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ)) [ الزمر: 23].
فهو ليس كالكتب الدينية التي يشك أصحابها في أصولها، وفي ترجماتها، وفي معانيها.
وبما أن هذه القيم الثلاث مجتمعة في الإله المعبود، وفي الرسول المبعوث،
وفي الكتاب المنزل، فإن أحسن أحوالها أن تكون كذلك متداخلة في حياة البشر.
ولذلك نجدها متداخلة موصوفاً بعضها ببعض في كتاب ربنا وسنة رسولنا: فمكارم
الأخلاق توصف بالجمال. ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى
مَا تَصِفُونَ)) [يوسف: 18]، ((فاصبر صبراً جميلاً)) [ المعارج: 5]. القول
يوصف بالحسن وهو مفهوم جمالي وبه يوصف الفعل: ((ادفع بالتي هي أحسن)) [
المؤمنون: 96]، ((وقولوا للناس حسناً)) [البقرة: 83]، ((وجادلهم بالتي هي
أحسن)) [النحل: 125].
ولا تناقض بين الانتفاع بالشيء وتذُّوق جماله، بل إن هذا الذي ينبغي أن
يكون(والأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ومَنَافِعُ ومِنْهَا
تَأْكُلُونَ (5) ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ
تَسْرَحُونَ (6) وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا
بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(7))) [النحل: 5 - 7].
((قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنا مَا لَوْنُهَا قَالَ إنَّهُ
يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ)) [البقرة: 69].
((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
يَعْدِلُونَ)) [النمل:60].
وتأمل هذه الآية الكريمة التي يأمرنا الله تعالى فيها بالنظر إلى ثمر
النبات وينعه: ((انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ إنَّ فِي
ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأنعام: 99]. والنظر إلى
الثمر والينع لا ينفكُّ عن رؤية ما فيه من بهجة وجمال. فكما أن خلقه آية،
وما فيه من غذاء آية، فجماله أيضاً آية لقوم يؤمنون. وانظر كيف جمع سبحانه
بين الأمر بالنظر إليه، والأمر بإيتاء زكاته(كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا
أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ))[الأنعام: 141].
والمحظوظ من كانت له زوجة تجمع بين حسن الخلق وجمال المنظر: إن نظر إليها
سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله. [رواه ابن
ماجة ح: 1847].
وكما أن هذه القيم يوصف بعضها ببعض فإن ديننا يجعل بعضها وسائل لبعض.
فالدعوة إلى الخير لا تبنى إلا على الحق، ولا تكون إلا مقرونة بالحسن
والجمال: فالقصص القرآني أحسن القصص محتوىً وأسلوباً، لكنه كله مبني على
الحق، لا على الخيال. إنه يقرر واقعاً ولا يختلق باطلاً ليتوسل به إلى
عِبرٍ أخلاقية أو دينية: ((نحن نقص عليك أّحسن القصص)) [يوسف: 3].
((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ
حَدِيثاً يُفْتَرَى ولَكن تَصْدِيقَ الَذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ
كُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [يوسف: 111].
والدعوة إنما تكون بالكلام الجميل الذي تأنس به المسامع وترتاح إليه
القلوب: ((وقولوا للناس حسناً)) [البقرة: 38]، ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل: 125].
لكن بعض إخواننا عفا الله عنهم جعلوا الدعوة إلى أعظم حق وأفضل خير ـ
عبادة الله وحده، والاستمساك بسنة نبيه ـ جعلوها مرتبطة بأنواع من الجفاء
والغلظة التي تنفر منها طباع الكرام. ألم يتأملوا قول الله تعالى لرسوله :
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ
القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [ آل عمران: 169].
ودعوة الحق إنما يصلح لها هذا النوع من كرام الناس. إنهم هم الذين يصدقون
فيها ويتحملونها بقوة وشجاعة. فليكونوا هم إذن طَلِبَتَنا حين ندعو؛
ولندعهم لذلك بطريقة تليق بهم، فتجمعهم حولنا ولا تنفرهم منا. أما اللئام
الذين يرضون بالهوان فلا خير فيهم، ولا رجاء منهم.
وقابل هؤلاء أناس تذرعوا بلين الكلام وخفض الجانب ليوقعوا الناس في مهالك
الشرك والابتداع. والسعيد من وفقه الله تعالى للدعوة إليه بالتي هي أحسن.
وقال إيليا أبو ماضي
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس * * * تتوقّى قبل الرحيل رحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى * * * أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ * * * من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال * * * لا يرى في الوجود شيئا جميلا
فتمتّع بالصبح ما دمت فيه * * * لا تخف أن يزوا حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك هم * * * قصَّر البحث كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الروابي * * * فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها والحقل ملك سواها * * * تخذت فيه مسرحا ومقيلا
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كن جميلا ترى الوجود جميلا
الجمال إذن محمود ومرغوب فيه، وهو قرين الحق والخير. فأما حين يكون
مَظِنَّةً لأن يُتَّخَذَ وسيلة لهدم المكارم فإن الإسلام يمنع الاستمتاع
به. ولذلك فإنه يحرم النظر إلى بعض الصور الجميلة، والاستماع إلى بعض
الأصوات الجميلة حين يكون ما فيها من جمال ذريعة إلى شرك أو هدم مكارم.
ولهذا حرم النظر إلى زينة النساء لغير محرم أو زوج؛ لأن الاستمتاع بجمالهن
قد يكون وسيلة إلى هدم الفضيلة. وأباحه للمحارم؛ لأن هذه العلة منتفية في
حقهم، وأباحه للأزواج، بل ودعاهم إليه؛ لأنه استمتاعٌ حلال، وقد يكون
متولي ابراهيم المدني- عضو جديد
- عدد المساهمات : 14
تاريخ التسجيل : 14/02/2011
العمر : 36
الموقع : المغرب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يوليو 30, 2015 9:16 am من طرف ameralhosn
» حزيفة العطايا في ذمة الله
الجمعة سبتمبر 12, 2014 4:17 pm من طرف الصديق عبدالرحمن طه
» بيت شعر اعجبني
السبت أغسطس 09, 2014 6:29 am من طرف الصديق عبدالرحمن طه
» صباح النور عليكم يا زهور **************** كلمات سيد عيد العزيز *********
السبت يوليو 26, 2014 11:01 pm من طرف sanshairo
» في رونق الصبح البديع
السبت يوليو 26, 2014 10:54 pm من طرف sanshairo
» نور الحبيب احمد الي الرفيق الاعلي
الإثنين يونيو 23, 2014 3:13 pm من طرف الصديق عبدالرحمن طه
» قسم الله حسن في ذمه الله
السبت مايو 31, 2014 7:03 am من طرف عبدالمحمود الصديق
» قريتي رسمتي الامل في دواخلي والابتسامه علي شفتي
السبت مايو 24, 2014 6:41 am من طرف عبدالمحمود الصديق
» ما سر الغياب المتواصل
السبت مايو 24, 2014 5:49 am من طرف الصديق عبدالرحمن طه